- منظر علوي من غرفة قديمة في شقة خاله الذي
كان يقطن في وسط البلد، والتي لا يعلم أحد انه يملك مفتاحها لعلمهم بانها قد بيعت
لأحد الاجانب الذين يعملون في مجال الإخراج السينمائي، تقع شقته في واحدة من تلك
البنايات العتيقه التي تحتوي على الكثير من التفاصيل المعمارية الأوروبية القديمة
المسببة للشرود الإجباري لأيٍ من المارة المحدقين في ما حولهم لإستكشاف نمط تلك
الحياة في هذا المكان..الشقة تمتلئ بالاتربة نظراًَ لخلوها الدائم من
الحياة..الأضواء لا تعمل جيداً، الاثاث القديم مغطى بالكامل حماية من الاتربة
والعوامل المؤثرة عليه..الأبواب تصدر أصواتاً غير معلوم نوتاتها من جمودها الدائم،
حتى النوافذ يكاد يصعب فتحها..لكن رغم ذلك ذهب كعادته عندما يصل إلى تلك المرحلةِ
من التساؤلات الغير منتهيه بعد أن أنهى دوامه باكراً و دخل إلى الغرفة..رفع الغطاء
اللذي كان يغطي النافذة وسمح لأسهم الشمس العريضةِ بالدخولِ محدثةً إضاءةً غريبةً
خافتة مما لم يعتد عليه جدار الغرفة اللذي يتوسطه كرسيه المفضل الذي قام بعد أن
أنهى ما كان يفعله برفع الغطاء من عليه مظهراً ما كان يخفى من تلك الرسومات
العثمانيةِ الجميلةِ التي تزين الكرسي و تضفي إليه عمقاً فنياً كبيراً دائماً ما
كان يحب النظر إليه منذ نعومة أظافره..جلس على الكرسي، رفع قدمية على الطاولة
الصغيرة المقابلة له بعد أن وضع عليها علبة لفافاته التبغية من نوع ميريت و قداحتهُ
الفضية الصدئة التي تملئها نقوشات ترمز إلى نوع من العبادات البوذيةِ القديمة بعد أن
أشغل سيجارةً منها، قام بفتح أزرار قميصه، وارتاح في جلسته..نظر إلى الضوء النافذ
إلى الغرفة و الذي تتخله ذراتُ الترابِ التي تعم المكان راسمةً له لوحةً مناسبة
للشرود والتيهة الذين يتملكون من تفكيره..يسحب نفساً عميقاً من لفافتة التبغية وي
كأنه كان محروماً ومفتقداً لذلك النيكوتين الذي وصل لأحشائه متخللاً إياها، صاحباً
لذلك الشعور المريح لنفسه لدرجة الموت..يخرج الدخان من جوفه ساحباً معه كل أزماته
و متاهاته راسماً إياها له في الفراغ..
تتجمع الأفكار و
التساؤلات أمامه كلها مشتتةً كقطع البازل..
يتنهد تنيدة عميقةً، ثم
يحدثُ نفسهُ كأنها تَجََلت أمامه في صورة الدخان والأتربة و التساؤلات المتوسطةِ
خطوطَ الضوء قائلاً :
- وبعدين ؟! هنفضل كده
كتير ؟! أنا مفاضلش حاجه نافعة معايا بجد !! ولا دكاترة نفسيين، ولا جلسات جروبات
حكي مع ناس معرفهومش بتكلم معاهم في خصوصياتي و تفاصيل حياتي عشان اتحسن، ولا
خروج، ولاكتابة، ولا صحاب، ولا حتى دين !!
مبقتش حاسس أي حاجه ولا
متقبل حاجه..انتي عايزة مني ايه ؟!
- ينظر إليها منتظراً
الرد، ولكن لا يجد غير الصمت..
- زي كل مرة..عمرك ما
رديتي عليا..دايماً بصالي وساكتة..
- يتنهد تنهيدة
أخرى..ينظر إلى السقف مخرجاً نفساً آخرَ من الدخان مواجهاً لعدسة الكاميرا..
تقترب منه الكاميرا
ببطئ شديد..
تتضائل الصورة بالتدريج
مستهدفةً وجهه..
تقترب أكثر و أكثر بنفس
سرعتها الى أن تصل إلى عينيه..بؤبؤ عينيه..
لا يظهر غير السواد
الكالح في الكادر..
تظهر بعض النقاط
اللامعه التي تنتشر في هذه الخلفية السوداء..
الكثير منها في كل مكان
بألوانٍ وأحجامٍ مختلفة بغير وضوح..
تتضح الصورة تدريجياَ
وببطء مظهراً أجزائها الواحد تلو الآخر..
تظهر سماء ليل صافي
مليئة بالنجوم الملونة و المتلألأة..
حركة لليمين و اليسار
بقوة مصاحبةً لصوتِ أنثى قادم من اليمين..
- زين.. يا
زيييين..إصحى يا زين مالك فيه إيه..يا زين ارجوك إصحى إنت بتحلم قوم ارجووك..
- يتجه نظره بعد انعدام
الغمامة من عليها إلى مصدر الصوت - الكاميرا مع حركة عينيه - ايه ده ؟! دنيا ؟!
احنا فين ؟!!
- إحنا في راس شيطان يا
زين إنت مش فاكر ؟! احنا جينا هنا امبارح !!
- أومال أنا كنت فين ؟!
و إيه اللي حصلي ؟!
- إنتا معانا هنا يا
زين إحنا مروحناش أي مكان تاني من ساعة ما جينا..إنتا تقلت في الشرب و قلتلنا
هتريح شويه وجيت هنا نمت و ولما أتخرت حاولت أصحيك و بجد أنتى قتلتني، أنا إفتكرت
حصلك حاجه !!
- إيه كل ده ؟! - يغلق
عينية بقوة ثم يفتحها محاولاً الإفاقة - لا لا أنا كويس..أنا كويس، يلا نقوم
نروحلهم عشان ميقلقوش..يلا.. !
- منظر خلفي لهم وهي
تقوم بمساعدته في الوقوف..يتحركون بعيداً عن الخيمة التي كان نائماً أمامها، و
يختفون من الكادر..
- تتحرك الكاميرا إلى
الأعلى رجوعاً إلى المنظر الذي أفاق عليه..
تبدأ الصورة في التلاشي
ببطئ شديد مخفيةً النجوم ببريقها وألوانها تدريجياً
تصل الصورة إلى السواد
الكالح مرة أخرى..و..
- كات..